مراكش الحمراء

مرحبا بك اخي كعضو جديد

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مراكش الحمراء

مرحبا بك اخي كعضو جديد

مراكش الحمراء

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مراكش الحمراء

منتدى اشهاري لمدينة مراكش لكل من يود التعرف على المدينة او زيارتها


    الحركة الثقافية والفكرية بمراكش عبر جامعة ابن يوسف

    avatar
    Abdou
    Admin


    المساهمات : 249
    تاريخ التسجيل : 05/02/2010
    العمر : 51
    الموقع : المغرب مراكش

    الحركة الثقافية والفكرية بمراكش عبر جامعة ابن يوسف Empty الحركة الثقافية والفكرية بمراكش عبر جامعة ابن يوسف

    مُساهمة من طرف Abdou الأحد أكتوبر 31, 2010 11:40 am

    بقلم الأستاذ إبراهيم الهلالي



    تقديــــم:

    لعل أو ل عهد لمدينة مراكش بنشر التعليم والثقافة، والاندماج في الحضارة العربية والإسلامية، يرجع إلى عهد المرابطين الذين استطاعوا في عهد يوسف بن تاشفين، طيب الله ثراه، أن يبنوا في الجنوب المغربي مدينة مراكش أعظم وأزهى المدن المغربية، وكونوا دولة عربية تعتمد على القضاء الإسلامي لمذهب الإمام مالك، وأنشأوا فيها مجلسا لشورى الحكومة، يتكون من فقهاء مراكش، بوصفهم أعضاء مستشارين لأمير المسلمين يوسف ابن تاشفين، ومن بعده لولي عهده ناصر الدين أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، عطر الله ضريحه، وهو الذ=ي أنجز منشآت عمرانية، وحضارية، وتربوية في مقدمتها جامع أبن يوسف الذي بناه سنة أربع عشرة، وخمسمائة للهجرة، هذا الجامع المبارك العظيم الذي سيصبح في عهد محمد الخامس طيب الله ثراه جامعة عربية إسلامية تتوفر على جميع عناصر الجامعة في التعليم العربي الأصيل، وتناقـش كلا من جامعة القرويين بفاس، وجامع قرطبة بالأندلس، وجامعة الزيتونة بتونس، وجامعة الأزهر بالقاهــرة..



    ولعلنا سنكتفي في هذه العجالة بالحديث عن الازدهار الثقافي والفكري، والأدبي، والسياسي الذي عرفته مدينة مراكش في عهد الموحدين، وفي عهد السعديين، عبر جامعة ابن يوسف التي نظم فيها التعليم الجامعي بصفة رسمية في عهد السلطان محمد الخامس، انطلاقا من دجنبر سنة 1939.



    لقد كان المنهاج الدراسي في جامعة ابن يوسف على عهد المرابطين، وفي بداية عهد الموحدين يتنـاول التعليم في مواد التفسير والحديث النبوي، والفقه، والنحو، والبلاغة، والأدب العربي، والتاريخ، الإسلامي في عهد دولة الموحدين، ويلاحظ أنه قد وقـع تعديل في المنهاج، حيث تطورت الطرق التربوية في عهد دولة السعديين، حتى أصبحت تضم مواد أخرى غير المواد السابقة! فما هو سبب ذلك يا ترى؟



    وكيف ومتى بدأ تأسيس المدارس المرتبطة بجامعة ابن يوسف، والتي كانت مخصصة لإيواء الطلبة الآفاقيين، المنحدرين من البوادي والقرى المتاخمة لمدينة مراكش؟ وذلك بقصد تيسير وسائل العيش، والإسكان لهم، ليتابعوا دراستهم الجامعية في شكل جدي ومنظم، وبعيد عن مساوئ الحياة البائسة التي كثيرا ما تجعل الطلبة الفقراء ينقطعون عن دراستهم من جامعة ابن يوسف لأسباب خاصة، أهمها الفقر، وانعدام وسائل الإسكان، والبعد الشاسع عن ديارهم، في مدن بعيدة من مراكش، كمدن الجنوب المغربي في ورززات، وأكادير وطرفاية وطانطان، وعيون الساقية الحمراء...



    1) بداية عهد الموحدين في موازاة مع بداية التدريس في جامع ابن يوسف

    يلاحظ أنه يمكن تقسيم عهد الموحدين في الازدهار الفكري والثقافي إلى ثلاث مراحل أساسية يصطحب فيها الازدهار السياسي بالازدهار الفكري في جامعة ابن يوسف بمراكش.





    أ-* المرحلة الأولى :

    مرحلة التأسيس في عهد ابن تومرت وعبد المومن.

    تعتبر مرحلة التأسيس لجامع ابن يوسف [الجامعة] ابتداء من تاريخ إقامة أول ندوة علمية في نفس الجامع، فور تأسيسه من طرف أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، وهي الندوة التي ترأسها المهدي بن تومرت في مواجهة فقهاء المرابطين بمراكش، تحت رئاسة الفقيه العلامة، مالك بن وهيب، الذي كان ينوب عن السلطان المرابطي علي بن يوسف وعن فقهاء مراكش.



    وهكذا يصطدم محمد المهدي بن تومرت، وهو زعيم الموحديين بفقهاء المرابطين، بواسطة سلطانِهم أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، وذلك حسب ما يرويه كثير من المؤرخين، وفي مقدمتهم الأستاذ الكبير أحمد بن خالد الناصري في كتابه القيم الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، فقد جاء في الجزء الثالث من هذا الكتاب صفحة 18 ما ملخصه:



    " ثم لحق محمد المهدي بن تومرت بمراكش، وأقام بها، ثم لقي بِها أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بالمسجد الجامع (جامع ابن يوسف) عند صلاة الجمعة، فوعظه وأغلظ له في القول..

    ففاوض أمير المسلمين الفقهاء في شأن ابن تومرت الذي كان ينكر عليهم جمودهم على مذهب السلف،( أي مذهب الإمام مالك).فأغرى فقهاء مراكش السلطان علي بن يوسف بابن تومرت، فأحضره الأمير للمناظرة معهم، فكان له الظهور عليهم"(1).



    ومن الجدير بالذكر أن جامع ابن يوسف الذي عرف أولى حلقاته الدارسية في عهد المرابطين، قد أصبح في عهد الوحدين ينافس كثيرا من المساجد العلمية والجامعية في الشرق العربي، كجامع الأزهر بالقاهرة على سبيل المثال، فقد اكتظت ساحاته وردهاته الفسيحة بحلقات الدروس، التي كان يجلس فيها علماء كبار، وأساتذة عظام ومربون، ومدرسون ذوو عبقرية نادرة في مختلف مواد العلوم، وخصوصا منها تفسير القرآن الكريم، والفقه الإسلامي على مذهب الإمام مالك، ومذهب الإمام أبي حنيفة في عهد الموحدين، الذين لم يكونوا يكتفون بمذهب الإمام مالك مثل المرابطين، بل كانوا أحيانا يدرسون الفقه الإسلامي على مذهب بعض علماء الشيعة والمعتزلة، خصوصا منهم الفقيه العلامة جار الله الزمخشري صاحب كتاب :الكشاف الذائع الصيت..



    وكان علماء مراكش في عهد الموحدين يدرسون في جامع ابن يوسف الحديث، والسيرة النبوية العطرة، والفكر الإسلامي، بما يحتوي من نظريات علماء الكلام من أشهر الأشعرية والمعتزلة، ولكن في غير خصام مع مذهب الإمام مالك الذي كان يسيطر على الأغلبية الساحقة من فقهاء وعلماء جامعة ابن يوسف بمراكش، على الرغم من نظرية الموحدين في مسألة الدعوة إلى فكرة الإمامية والمهدوية التي تبناها محمد المهدي بن تومرت، وتابعه فيها أميرالمؤمنين عبد المؤمن بن علي.



    وبالإضافة إلى هذه المواد، فقد كانت جامعة ابن يوسف في عهد الموحدين، تعرف علماء ومدرسين في الطب، والرياضيات، والفلسفة والفكر المعتزلي والشيعي، حسب ما يتمذهب به بعض المدرسين الذين لهم آراء في الطب والحكمة والفلسفة، وعلى رأسهم العلامة أبو الوليد بن رشد، الذي ثَبَتَ أنه كانت له حلقة علمية في جامع ابن يوسف يدرس فيها، على عهد الموحدين أصول الدين، وآراء بعض الفقهاء الذين لهم نظريات خاصة في مسائل الطب، والفلسفة، حيث كانوا يعتبرون المرء مسؤولا عن أعماله خلافا لعلمـاء المذهب المالكي...



    كما كانت جامعة ابن يوسف على عهد الموحدين تزخربعلماء نبغوا في الأدب العربي، والتاريخ، والجغرافية على الخصـوص وإذا كان شكل الدراسة في جامع ابن يوسف بمراكش على عهد الموحدين، يتفق مع الشكل والطرق التربوية التي عرفها الجامع على عهد المرابطين، فإن جامعة ابن يوسف وفقهاءها المراكشيين، كانوا في عهد المرابطين مستشارين للدولة، ومرتبطين ارتباطا وثيقا، قضائيا وإداريا برئيس الدولة، كما كان عليه الحال في عهد يوسف بن تالشفين، وفي عهد ابنه علي بن يوسف، منشئ جامع ابن يوسف، وهو خلاف ما ستكون عليه حالة هيئة التدريس على عهد الموحدين، الذين كانوا يراقبون فقهاء، وعلماء المغرب، عموما، والمدرسين بجامعة ابن يوسف على الخصوص، ولا يسمحون لهم بالتدخل في شؤون الدولة، ومع ذلك فقد كانوا يكنون لهم كثيرامن الإجلال والاحترام...



    وهكذا، فقد اشتهر جامع ابن يوسف بمراكش على عهد الموحدين، بكونه أصبح مركزا عظيما للثقافة العربية، والفقه الإسلامي؛ كما غدا مركزا علميا لكثير من البحوث، في مختلف العلوم الجديدة، كالطب، والفلسفة، ودراسة المذاهب السنية الأربعة، وتدريس البلاغة، والحكمة، والتاريخ،وعلم أصول الدين، وذلك بسبب مساهمة ملوك الموحدين في تشجيع هجرة علماء الأندلس من مختلف عواصم العلم والأدب، كقرطبة، وإشبيلية، وغرناطة إلى عاصمة الموحدين مراكش، وكان هؤلاء العلماء والفقهاء الأندلسيون يقومون بالتدريس على عهد الموحدين في جامع ابن يوسف، بالإضافة إلى العلماء والفقهاء المغاربة، الذين توافدوا على جامع ابن يوسف، من مختلف المدن المغربية المشهورة بعطائها العلمي، مثل مدينة سبتة، ومدينة فاس، ومدينة سلا، ومدينة تارودانت على سبيل المثال..



    ولعل من أبرز فقهاء مراكش الأولين، الذين جاءوا إلى جامع ابن يوسف في عهد الموحدين، عقب تاسيس الجامعة على عهد المرابطين، هم الرعيل الأول من الفقهاء المغاربة والأندلسيين الذين قدموا إلى القصر الملكي الموحدي، والذين يشكلون النواة الأولى لهيئة التدريس في جامع ابن يوسف، وهم كما يلي بدون ترتيب:

    ) محمد المهدي بن تومرت الفقيه العالم الأصولي الموحدي ، والشيعي المذهب.

    القاضي عياض الفقيه المحدث العالم المالكي السني صاحب كتاب الشفاء، وكتاب المدارك في أربعة أجزاء.

    الفقيه المراكشي الكبير العلامة أبو موسى الجزولي عيسى بن عبد العزيز المراكشي، الذي تلقى دراسته الأولية في الفقه والنحو، وحفظ القرآن في مدينة مراكش ثم انتقل إلى مصر، لإتمام دراسته العالية في جامع الأزهر بالقاهرة، ثم عاد إلى مسقط رأسه بمدينة مراكش، حيث أصبح يقوم بالخطبة في جامع يعقوب المنصور، وبالتدريس في جامع ابن يوسف.



    ويلاحظ أن مؤرخي الأدب العربي على الخصوص، ومؤرخي الفكر الإسلامي، والتاريخ الحضاري للمغرب والأندلس، يتفقون على أن مدينة مراكش عرفت في عصر الموحدين نهضة ثقافية قل نظيرها في العالم العربي، وإن علماء الأندلس الذين هاجروا إلى مراكش أصبحوا يعلمون في المساجد المراكشية عموما، ويدرسون في جامع ابن يوسف على الخصوص، وأصبحت مراكش قبلة علماء المغرب والأندلس، كما أصبحت جامعة ابن يوسف مهدا للعلماء الكبار، والمحدثين العظام، والأطباء، والمهندسين، والفلاسفة، ورجال الفكر والأدب، كأرقى ما تكون جامعة عربية في ذلك العهد، أي في القرن السابع للهجرة، الموازي للقرن الثالث عشر للميلاد.



    وفي هذا الصدد، يجمل بي أن أنقل لقراء هذا البحث المتواضع فكرة لأحد كبار العلماء الباحثين في تطور الأدب والفكر في المغرب، وهو الأستاذ الجليل العلامة محمد بن عثمان المراكشي الذي يقول:

    " وقد عرفت جامعة ابن يوسف بمراكش ازدهارا ثقافيا وأدبيا كبيرا، في عهد المرابطين، وفي عهد الموحدين، حيث هاجر إليها كثير من فقهاء، وأدباء، وأطباء الأندلس، ودرسوا في أحضانها، وعلى راسهم المفكر الإسلامي الكبير ابن رشد، والطبيب الماهر ابن زهر، الذي عاش في قصور المرابطين والموحدين، واتصل بعلماء مراكش، واعتز بسكانها وأدبائها، وقام بالتدريس في جامع ابن يوسف"(2).



    وإذا كان المرابطون في مراكش قد قضوا تحت قيادة أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين على كثير من الفرق السياسية، والدينية المتطرفة، التي كانت سائدة في مختلف المدن المغربية الكبرى، خصوصا منها الخوارج والمعتزلة الذين كانوا يتواجدون بكثرة في مدينة طنجة، وأقاليم الشمال، وقضوا كذلك على فرق الزندقة في قبائل برغواطة، بمدن الجديدة، وسلا، وآسفي...فإن ملوك الموحدين استطاعوا أن ينشروا عبر مدينة مراكش، آراءهم المؤيدة للمذهب الشيعي، وكان علماء، وفقهاء جامعة ابن يوسف مضطرين أن ينشروها بصفة غير مباشرة، عبر دروس التاريخ الإسلامي، وخصوصا لدى دراسة تاريخ الإمام علي كرم الله وجهه، والحرب التي واجهه بـها معاوية بن أبي سفيان، وما نتج عنها من انقسام الفكر الإسلامي بين سني وشيعي، وخارجي، ومعتزلي في العراق والشام على الخصوص.



    وعلى الرغم من كون المذهب الأساسي للموحدين هو المذهب الشيعي المعتدل، وعلى الرغم كذلك من بعض الأفكار المتطرفة التي كان محمد المهدي بن تومرت ينشرها بين جنوده وأنصاره من فرقة السبعين المشهورة، فإن ملوك الموحدين قاموا، بعد وفاة زعيمهم محمد المهدي بن تومرت، بإرجاع الأمور إلى نصابـها، وقرروا التنصل من المذهب الشيعـي، والعودة إلى المذاهب السنية، خصوصا منها مذهب الإمام مالك، الذي كان سائدا في عهد المرابطين، وحاربه محمد المهدي بن تومت أثناء قيامه بمحاضرة فقهاء مراكش في جامع ابن يوسف، منتقدا عليهم تمسكهم بفروع الفقه، وترك أصوله التي هي أساس الدعوة إلى الله ورسوله، والجهاد في سبيله، والقيام بالمعروف والنهي عن المنكر..



    وهكذا أصبح جامع ابن يوسف من جديد قبلة لفقهاء الأندلس، الذين ينشرون المذهب المالكي في مختلف مساجد المغرب، ورباطاته، ومؤسساته الثقافية، كما أصبح جامع ابن يوسف مركزا ثقافيا مهما، في نشر العلم، والحضارة والفكر الإسلامي، والأدب المغربي، في جميع مدن المغرب وأقاليمه وقراه، وحتى في آفاق بلاد الأندلس، وفي هذا الصدد يقول الأستاذ الكبير، العلامة عبد الله كنون، في كتابه النبوغ المغربي ما ملخصه:



    " فقد أصبحت مدينة مراكش حاضرة المغرب، وكرسي مملكته في عهد الموحدين،وأضحت مهوى أفئدة المثقفين، ومطمح أنظار المتأدبين..وكانت الأندلس تبذل ثقافتها، ومعارفها للمغرب،فرجالها في خدمة الدولة، وكتابها وشعراؤها وأطباؤها، يزينون بلاط مراكش"(3)



    وبتابع الأستاذ الكبير عبد الله كنون تنويهه بمدينة مراكش، وفقهائها، وعلمائها، وأدبائها الكبار، كمايستقرئ كثيرا من أمثلة نبوغهم، وعبقريتهم في جامعتهم المشهورة يومئذ بجامع ابن يوسف فيقول: " وإن ننس، فلا ننسى جامع ابن يوسف، فهو بمدينة مراكش مثل جامع القرويين بفاس، ومنذ بناه علي بن يوسف بن تاشفين لم يزل المركز الثقافي الثاني للدراسات العلمية والفقهية..والأدبية ببلاد المغرب"(4)



    ويلاحظ أن جامع ابن يوسف (الجامعة) قد اشتهر ذكره عبر آفاق المغرب والأندلس، وإفريقية (تونس) والجزائر في عهد الدولة الموحدية على الخصوص، كما يلاحظ أن هجرة العلماء، والفقهاء، والأدباء، والمفكرين، أصبحت متداولة بين المغرب والأندلس، بحيث أضحى المغاربة هم أيضا يهاجرون إلى الأندلس، بقصد تلقي المعرفة والعلم، والأدب، في مدن إشبيلية وقرطبة على الخصوص، ثم يعودون إلىمسقط رؤوسهم ليمارسوا مهنة التدريس في المعاهد المغربية، وعلى الأخص في جامع ابن يوسف الجامعة التي اعتنى بها الموحدون إلى حد كبير، حيث كانت بماثبة مدرسة عليا لتخريج الفقهاء، والسياسيين، والضباط، والأدباء، وخطباء المساجد، والقضاة الذين يحكمون باسم ملوك الموحدين في مختلف المحاكم المغربية، وكان اجتهاد هؤلاء الفقهاء القضاة بمثابة حكم إداري تتبعه الدولة في معاقبة المتمردين على أوامرها..

    3) مسلسل النضال الوطني بمراكش وجامعة ابن يوسف.

    ومع ذلك فيمكننا الإشارة العابرة إلى نضال من نوع آخر قامت به جامعة ابن يوسف، وحققته مدينة مراكش في مختلف عصور التاريخ المغربي، فقد قام المراكشيون بنضال كبير في جيش يوسف بن تاشفين البطل الصحراوي المراكشي العظيم، الذي جمع في جيشه المراد به الجهاد في إسبانيا، لتحرير الأندلس من الظلم والعدوان. وكان هذا الجيش معتمدا في مجموعه على عناصر من الصحراء ومن إقليم مراكش، من مسفيوة، وأوريكة، وأغمات، وقبائل الرحامنة، وصنهاجة، ومن إقليم آسفي ، وآنفا، كقبائل عبدة والشاوية، ومن أقاليم الشمال، خصوصا منها قبائل كتامة، وجبال الريف، ومكناسة القديمة، ومن أقاليم طنجة وتطوان وسائر الأقاليم المغربية...

    وفي عهد الموحدين قام سكان مراكش، وطلاب جامعة ابن يوسف بنضال آخر يتجلى في البحث على أعمال الخير، ومحاربة عناصر الشر والفساد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتزعم حركة هذا الإصلاح الفقيه الموحدي محمد المهدي بن تومرت الذي يعتبر فقيها أصوليا، وكاتبا مبدعا ، ونابغة في السياسة ، والمناظرة . وقد كان مدرسا في جامعة ابن يوسف بمراكش في عهد المرابطين ، ولكنه أصبح خصما لهم عندما انتـقد عليهم اعتمادهم في السياسة والأحكام على مجلس الشورى المؤلف من فقهاء مراكش وفاس، وهم فقهاء يعتمدون على فروع الفقه دون أصوله. ولهذا السبب أمر أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بإقامة مناظرة في جامع ابن يوسف لمناظرة المهدي بن تومرت، بقيادة قاضي مراكش، والعلامة مالك بن وهيب الذي كان مستشارا في البلاط المرابطي، وحضر لمناظرته كثير من فقهاء فاس ومراكش والأندلس ، ولكن الزعيم الموحدي عرف كيف ينتصر عليهم، بحكم أنه يدعو إلى تطبيق القواعد الفقهية، والإدارية والسياسية المقتبسة من القرآن الكريم، وسنة الرسول عليه السلام، ونبذ آراء الفقهاء الذين تختلف اجتهاداتهم في فروع الفقه حسب اختلاف مذاهبهم.

    وجدير بالملاحظة أن كثيرا من العبقريات العربية البارزة في العلوم القرآنية، وفي الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهبه، وفي الحضارة الإسلامية، والفلسفة اليونانية، قد هاجرت من مواطنها في الأندلس، وفي القيراوان، وفي صقلية، إلى مدينة مراكش على عهد الموحدين، فكانت تنشر العلوم والآداب في مختلف المعاهد الثقافية بعاصمة يوسف بن تاشفين، وفي الأوساط الثقافية الخاصة في قصور الموحدين، الذين كانوا يهتمون بالعلوم الرياضية، والفلسفية، وعلم الأصول، وعلم الكلام، والفكر الإسلامي.

    كان الملوك والأمراء الموحدون يتوفرون على رصيد هائل من العلم والآداب والفلسفة، أو الفكر الإسلامي، فكانوا ينشرون هذه الثقافة والعلوم الجديدة في مراكش، بواسطة أساتذة مراكشيين، وأندلسيين، وصقليين، وذلك في الخزانات العلمية للملوك الموحدين، وفي ردهاتِِـهم وقصورهم التي كانت غاصة بالعلماء، والأدباء، والشعراء، والفلاسفة، والأطباء الذين حضروا إلى مراكش لتقديم الولاء لأمير المؤمنين الموحدي عبد المؤمن بن علي، أو لابنه يوسف بن عبد المومن، أو لحفيده يعقوب المنصور، وهؤلاء الملوك كانوا من أبرز العلماء، والفقهاء، والحكماء، والفلاسفة في العصر الموحدين..

    وقد كان هؤلاء العباقرة الأندلسيون والمغاربة والصقليون، والإفريقيون الذين هاجروا إلى مراكش، عاصمة الموحدين ينشرون ثقافتهم، وعلومهم، وأفكارهم على تلامذتهم وطلابهم المراكشيين، في جامع أو جامعة ابن يوسف بمراكش، التي أصبحت في عصر الموحدين تزخر بعلماء الرياضيات، والهندسة، والطب، والفلسفة، والحكمة، وعلم أصول الدين، وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية، خصوصا منها آراء علماء الكلام، والمعتزلة الذين كانوا يخالفون علماء السنة في مسألة خلق القرآن، وتكفير من يرتكب الكبائر من الذنوب، واتباع مبدأ المنزلة بين المنزلتين، ويقصدون بِها أن مرتكب الذنوب الكبيرة، والجرائم الخطيرة لا يعتبر مومنا حتى مع التوبة، خلافا لمذهب أهل السنة، ولكنه يعتبر في منـزلة بين منـزلة الإيمان ومنـزلة الكفر، ويفوض أمره إلـى الله.

    "إن كثيرا من هذه العقول والعبقريات الأندلسية اتخذت من مدينة مراكش موطنا ثانيـا لها، فعاشت بين أحضانها معززة مكرمة، وساهمت في تنميتها العلمية والفكرية بمعرفتها وفلسفتها، ومؤلفاتها الرائعة، وكثير من هذه العبقريات العربية ساهمت في سياسة الدولة المغربية، إما بالشورى أو بالنصيحة، وبقيت تتنقل بين المساجد ومدارس مراكش، وفي مقدمتها جامع ابن يوسف الخالد"(12)

    وجدير بالملاحظة أن ملوك الدولة الموحدية كلهم كانت لهم عناية بالأدب العربي، والفقه، والحديث، والحضارة الإسلامية، وكانت لهم عناية بجميع المساجد في مدينة مراكش، خصوصا منها جامع ابن يوسف، وجامع الكتبية، وجامع يعقوب المنصور الموحدي، وإن بعض ملوكهم أخذوا علوم اللغة العربية، والفقه الإسلامي، والحديث النبوي من علماء جامعة ابن يوسف بمراكش، وشاركوا بمجهودهم الشخصي في التضلع في علوم أخرى كعلم الطب، والهندسة، والفلسفة،ومنهم على سبيل المثال أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الذي يقول المؤرخون في ذاكئه، وثقافية ومشاركته في مختلف العلوم العقلية والنقلية ما يوجزه مؤرخنا المراكشي العظيم عبد الواحد المراكشي في كتابه المعجب الذي يجمع بين دفتيه حقائق من التاريخ، والجغرافية،والشعر، والفكر والأدب،قال في عبقرية يوسف بن عبد المومن.

    "كان شديد البأس، قوي الشكيمة، بعيد الهمة، جوادا، محبا للعلم، بارعا فيه، وقد استغنى الناس في عهده، وكثرت في أيديهم الأموال، مع إيثاره للعلم، وتعطشه إليه مفرط، وكان يحفظ أحد الصحيحين، وهو صحيح البخاري، ثم طمحت به نفسه وعلو همته إلى تعلم الفلسفة، فجمع كثيرا من أجزائها، وبدأ من ذلك بعلم الطب، فاستظهر من الكتاب المعروف بالملكي أكثره، مما يتعلق بالعلم خاصة"(13)

    وهكذا يتضح أن علماء مراكش في عهد الموحدين، وفي جامعة ابن يوسف كانت لهم ثقافة عالية، ومشاركة في جميع العلوم العقلية والنقلية، وكانوا عباقرة ، وكان ملوكهم يجمعون بين موهبة السيف والقلم".

    وإذا كانت جامعة ابن يوسف بمراكش قد عرفت تقلصا محسوسا في نشاطها الثقافي، والعلمي على عهد ملوك بني مرين الذين نقلوا كرسي العاصمة من مراكش إلى مدينة فاس، فإن الازدهار الفكري، والثقافي يعود إلى جامع أو جامة ابن يوسف في عهد دولة الأشراف السعديين..

    وهكذا فقد أعاد الملوك السعديون إلى مدينة مراكش مجدها، وتفوقها العلمي الحضاري، بعد تغلبهم على بني مرين، ونقلوا كرسي المملكة من مدينة فاس عاصمة المرينيين إلى مدينة مراكش، التي أصبحت في عهد السعديين تعج بكثير من العلماء، والفقهاء، والمفكرين، والأدباء، والشعراء، والمؤرخين الذين كانوا يقومون بتدريس مواد اللغة العربية، والقرآن، والسنة النبوية في جامع ابن يوسف، وكانوا في نفس الوقت يتصلون بالملوك السعديين في مراكش، ويُنشـدون بحضرتـهم في مختلف المناسبات قصائد رائعة، خصوصا بمناسبة ليالي رمضان، وفي مناسبة عيد المولد النبوي، الذي كان الملوك السعديون الأشراف يحتفلون به في مدينة مراكش، احتفالا رائعا يشارك فيه العلماء، والصناع، والفنانون ، والوزراء، والتجار والشعراء، ومختلف طبقات الشعب، خصوصا في قصر البديع، على عهد السلطان المراكشي العبقري أحمد المنصور الذهبي منشء قصر البديع..

    وكانت الدولة السعدية تعتمد في الدعوة لها، والولاء لخلفائها على أولئك الصوفيين المتفانين في حب الله ورسوله، وحب آل البيت، انطلاقا من سيدنا الحسن والحسين رضي الله عنهما، إلى أحفادهما الأشراف السعديين الذين هيأهم القدر، لإنقاذ المغرب من جنود الاحتلال الصليبي عموما، على عهد السلطان السعدي مولاي عبد الله الغالب بالله إلى عهد أمير المؤمنين المعتصم بالله، المجاهد عبد المالك السعدي، وأخيه البطل المجاهد أحمد المنصور الذهبي، وهما اللذان أنقذا المغرب من عدوان الجيش البرتغالي في واقعة وادي المخازن المشهورة، التي احتدم فيها صراع عسكري كبير بين جيش البرتغال وجيش السعديين الوافد من مدينة مراكش إلى مدينة القصر الكبير بزعامة علماء، وفقهاء، وصوفيين ، وصلحاء من مراكش، ساهموا بكثير من المجهودات الفكرية، والمادية، والروحية إلى جانب الجيش النظامي الذي كان يرأسه السلطان المجاهد المعتصم بالله عبد المالك السعدي، وشقيقه البطل أحمد المنصور الذهبي..

    "ولعل ما ميز هذه الفترة في عهد السلطان السعدي مولاي عبد الله الغالب بالله أنها كانت فترة مليئة بالنشاط الصوفي السليم، والأفكار الدينية، والخلقية، التي تدعو إلى الجهاد، والتي تبناها كثير من الأولياء والصلحاء المراكشيين، مثل الشيخ سيدي أبي عمرو القسطلي المراكشي، والشيخ سيدي أحمد وموسى السملالي، والشيخ الولي العالم مولاي عبد الله بن الحسن المغاري، المعروف في مدينة مراكش بمولاي عبد الله بن احساين، وهو دفين تامصلوحت بضواحي مراكش"(14)

    ويلاحظ أن جامعة ابن يوسف بمراكش، كانت تعج بالعلماء، والأدباء، والفقهاء، والشعراء، والمؤرخين، وبكثير من كتاب الدولة، والأطر الإدارية القضائية التي ساهمت في نصرة الدعوة لمولك السعديين، لأنهم بصفة عامة، كانوا يدعون إلى الله، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويحاربون الاحتلال الأجنبي وعملاءه في شخص الملك العميل أبي عبد الله محمد المتوكل المسلوخ، الذي أصبح خائنا يحارب الإسلام، والسلطة الشرعية التي كانت في يد عمه المعتصم بالله المجاهد عبد المالك السعدي..

    وهكذا قام علماء جامع ابن يوسف بمراكش، واتفقوا مع إخوانهم علماء القرويين بفاس، ومع علماء تارودانت، وسائر علماء المغرب على إنذار الأمير الخائن أبي عبد الله المسلوخ بالرسالة الإسلامية التاريخية، الرائعة الخالدة وهي كما يلي باختصار:

    " وبعد، فهذا جواب من كافة أهل المغرب من الشرفاء والعلماء والصلحاء والأحفاد، والرؤساء، وفقهم الله عن كتابه الذي استدعى فيه الحكم للكتاب واستدل فيه بحججه الواهية الأطناب المتنكبة عن الصواب قائلين له عن أول حجة صدر بها الخطاب، لو رجعت على نفسك اللوم والعتاب، لعلمت أنك المحجوج المصاب، فقولك أننا خلعنا بيعتك التي التزمناها، وطوقناها أعناقنا وعقدناها...والله ما كان ذلك منا عن هوى متبع عن سبيل خارج عن طريق الشرع، مبتدع !.. وإنما كان ذلك منا منهج الشـرع وطريقـه، وهـدى الحـق وتحققـه.."

    "وقد كان جدكم الأكبر مولانا محمد أبو عبد الله القائم بأمر الله قد عهد لأولاده من بعده، مولانا أحمد الأعرج، ومولانا محمد الشيخ وإخوانهما ألا يتولى الخلافة منهم، ولا من أولادهم إلا الأكبر سنا، فالتزموا بذلك إلى أن كبر أولادهم، فطلب جدك، محمد الشيخ من أخيه الوفاء بذلك، ثم عهد لوالدك مولانا عبد الله، الذي كان أكبر أولاده، فلم ينازعهم أحد في ذلك إلى أن عهد إليك بولاية العهد دون أعمامك، فأبى الله إلا أن يحق الحق ويبطل الباطل فأعطى الملك لعمك عبد الملك الذي هو أكبركم بعد أبيك،فإن سلمت هذا فأي حجة تدلي بها، وأي طريقة تعتمد عليها؟"(15)

    وهكذا فقد عرفت جامعة ابن يوسف (الجامع) ازدهارا دراسيا وفكريا لم تعرفه من قبل، حتى في عصر الموحدين، الذي كانت مدينة مراكش تزخرفيه بالعلماء، والفلاسفة، والفقهاء الكبار، والواردين من عواصم الأندلس على البلاط الموحدي لتقديم ولائهم من جهة، وللإسهام في التنمية الفكرية والتدريس بمراكش من جهة أخرى...

    ويكاد مؤرخو الحضارة العربية الإسلامية يتفقون بالإجماع على أن مدينة مراكش عرفت، عبر جامعة ابن يوسف [الجامع التاريخي الكبير] كثيرا من المؤسسات التربوية، والثقافية، والفكرية انطلاقا من عهد السلطان مولاي عبد الله الغالب السعدي، إلى عهد السلطان المجاهد الكبير المعتصم عبد المالك السعدي، وشقيقه البطل العظيم أحمد المنصور الذهبي، وهو مع أخيه عبد المالك السعدي، يعتبـران البطلين المجاهدين العظيمين اللذين يرجع إليهما الفضل في انتصار الجيش المغربي في واقعة وادي المخازن المشهورة..

    ولعل من مظاهر ازدهار الثقافة والفكر في مدينة مراكش على عهد السعديين انتشار الزوايا، والمساجد والمؤسسات الثقافية انطلاقا من جامع ابن يوسف، ومن قصر البديع،حتى أصبحت هذه المؤسسات الفكرية والفنية، والمدرسية تتوج كل حي من أحياء مدينة مراكش، في العصر الذهبي للسعديين، خصوصا في عهد البطل المجاهد أحمد المنصور الذهبي.

    وفي هذا الصدد يقول المؤرخ الكبير محمد حجي في كتابه القيم :
    "وقد أدركت حاضرة مراكش أوج عزها العلمي مع السلطان أحمد المنصور، فغدت المركز الثقافي الأول في الغرب الإسلامي، إن لم نقل في العالم الإسلامي كله...كاد يكون جميع رجال البلاط، وذوي المناصب السامية المدنية والعسكرية فيها من رجال الفكر.. إلى تكاثر العلماء والطلبة في المساجد والمدارس وتعدد المناظرات العلمية والمساجلات الأدبية، واتساع حركة تأليف الكتب، واستنساخها أو حملها مع القوافل التي لا تنقطع من الشرق والجنوب..."(16)

    ويأتي في مقدمة المدرسين بمراكش، كما رأينا من قبل في فاس، أصحاب الخطط الشرعية الكبرى من قضاة ومفتين أمثال: أبي القاسم علي الشاطبي، وعبد الواحد بن أحمد الحسني السجلماسي، وعبد الوهاب بن إبراهيم الدكالي المشترائي، ومحمد بن علي السالمي، ومحمد بن يوسف التدغي (17)

    "أما الرياضيات، وعلم الفلك، والتنجيم، والطب، والصيدلة فمن أشهر شيوخها بمراكش لهذا العهد:" أحمد بن التقليتي شيخ الجماعة بمراكش في الحساب والهندسة والتعديل، والفقيه أحمد بن حميدة المطرفي الذي تعلم الحساب والفلك في المغرب والمشرق، قبل أن يتصدر للتدريس بمراكش،ويؤلف عددا وافرا من الكتب، وأبو القاسم الوزير بن محمد الغسان، وهو شيخ الأطباء ونقيبهم، ومعيد الصيادلة وخيرهم، أخذ عنه فن التطبيب والأدوية نظريا وعلميا جمهرة من الطلبة، ورووا عنه مؤلفاته في ذلك.."(18)

    وفي ختام هذا البحث المتواضع يمكن الإشارة على أن عصر السعديين عرف على الخصوص نوعا من الثقافة الأروبية، مع إتقان اللغتين الإسبانية والفرنسية، والإنجليزية، مع ترجمة بعض الكتب والأبحاث من هذه اللغات الأروبية إلى اللغة العربية، تبعا لتعليمات الملوك السعديين في عاصمتهم مراكش، وكان علماء جامع ابن يوسف (الجامعة) يستفيدون من العلوم الجديدة المترجمة إلى العربية، وفي هذا المعنى يقول الكاتب الباحث الكبير الأستاذ عبد الله إبراهيم، في بحث نشره بمجلة "جامعة ابن يوسف" في العدد الأول ما ملخصه:

    "اهتم المغاربة بمحاولة تجديد التعليم العالي، وتوسيع أسسه في المغرب على المستوى الجامعي من جهة، وفي محاولة ربط الاتصال الفكري الأوروبي النهضوي بالفكر المغربي عن طريق الترجمة من جهة أخرى في زمن الملوك السعديين، وهكذا فقد كلف المولى زيدان السلطان السعدي أحد العلماء الأروبيين وهو القس الإيرلاندي الدومينيكي المسمى آنطوان دوسانت مارياAntoine De Sainte- Marie:

    عندما سقط هذا القس أسيرا لدى المغاربة السعديين، بأن يترجم لـه كتابا علميا إلى اللغة القشتالية الإسبانية، ومنها إلى اللغة العربية بمساعدة علماء مغاربة متخصصين في الترجمة، بينما كلفت هيئة رسمية بمدينة مراكش عاصمة السعديين بنقل الترجمة من القشتالية إلى العربية، تحت إشراف العاهل السعدي مولاي زيدان مباشرة، وكان هذا القس الإيرلاندي معفى من جميع تكاليف الأسر في مقابل هذه الترجمة، ومأذونا لـه بتأسيس رباط السبحة المسيحية بمدينة مراكش لرجال الذكر والتقوى من المسيحيين.(19)

    ومن الكتب التي عرفها علماء مراكش في ترجمة العلوم إلى اللغة العربية نقلاً عن القشتالية، والإسبانية، كتاب "العز والمنافع للمجاهدين بالمدافع"، وكتاب " ناصر الدين على القوم الكافرين" حرر وأنجز في مدينة مراكش، على يد الكاتب المراكشي اللامع أحمد بن قاسم الحجري المراكشي بأمر من السلطان موي زيدان السعدي"(20)



    الخــــاتمـــــــة

    وهكذا نرى أن الحركة الثقافية والفكرية بمراكش عرفت ازدهارا كبيرا على عهد الموحدين، وفي عهد الملوك السعديين، هذا الازدهار الذي سوف يعرف في عهد الملوك العلويين، انطلاقا من عهد السلطان العالم سيدي محمد بن عبد الله تقدما محسوسا في هيئة التدريس بجامعة ابن يوسف، وسيعرف في عهد البطل الكبير السلطان المجاهد محمد الخامس تطورا عظيما، يتجلى في تنظيم الدراسة في جامع ابن يوسف، تنظيما يجعلها تكتسي صبغة جامعة عربية إسلاميية، بفضل الظهير الشريف، الذي أصدره محمد الخامس بتاريخ: 1دجنبر 1938 الموافق 8 شوال 1357. والذي بمقتضاه أصبح جامع ابن يوسف بمراكش يكتسي صبغة جامعة منظمة، لها أطرها وأساتذتها الذين يتقاضون مرتباتهم من وزارة المالية، ولها أطرها الإدارية، والتربوية، التي تنظم الامتحانات والمباريات على الشكل الجامعي المتعارف لدى مختلف الدول المتقدمة، وجدير بالملاحظة أن كثيرا من أساتذة جامعة ابن يوسف قد التحقوا بكلية اللغة العربية بمراكش هذه الكلية التي تعتبر امتدادا لجامعة ابن يوسف، وتعتبر برامجها ومناهجها الدراسية متقاربة جدا مع مناهج التعليم الأصيل عموما – ومع منهاج جامعة ابن يوسف على الخصوص.

    وأخيـرا فقد قرر المكتب الإداري لجمعية إحياء جامعة ابن يوسف بمراكش تقديم ملتمس إلى جلالة الملك، في موضوع إعادة الصبغة الجامعية إلى جامع ابن يوسف الخالد، وبناء جامعة جديدة في أي مكان بمراكش لتستقطب جميع طلاب، وأساتذة، وأطر كل من جامعة ابن يوسف، وكلية اللغة العربية ،علما أنهما مؤسستان تربويتان متكاملتان، لا يمكن أن تعيش إحداهما بمعزل عن المؤسسة الأخرى،كما تقدم المكتب الإداري للجمعية بملتمس إلى السيد مدير التشريفات الملكية في موضوع طلب مقابلة كريمة، يشرف بها صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله مكتب الجمعية،بقصد إعطاء أوامره لتنفيذ مشروع تأسيس جامعة ابن يوسف بمراكش،والله نرجو أن يوفقنا لخدمة الوطن العزيز، والثقافة العربية الإسلامية ، بفضل جامعة ابن يوسف، هذه المعلمة التاريخية العظيمة التي سيرعاها ويحققها إن شاء الله جلالة سلطاننا المحبوب سيدي محمد السادس حفظه الله.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 3:52 am