قبر يوسف
عبدالكبير الميناوي 29 ديسمبر 2005
أو حين تتخلى الساعة عن عقاربها
ماء الورد وأشجار اللوز
على الجانب القريب من ساحة جامع الفنا يرقد “سيدي مول لبلاد” : يوسف بن تاشفين.
يرتبط الحديث عن يوسف بن تاشفين بمراكش ودولة المرابطين، كما يرتبط بما أحاط بالعبور المتكرر إلى الأندلس، وما خلده التاريخ من حكاية المعتمد بن عباد، الذي لايذكر إلا وتذكر اعتماد الرميكية – زوجته الشهيرة.
اعتماد، التي عاشت تحتل مكانة بارزة في حياة المعتمد، حيث كانت لسمو مكانتها وتمكن نفوذها يطلق عليها اسم السيدة الكبرى.
كانت اعتماد – والعهدة على كتب التاريخ وكتابات المهتمين والباحثين- تغالي في دلالها على المعتمد، ومن ذلك، أنها طلبت منه أن يريها الثلج، فزرع لها أشجار اللوز على الجبل المقابل للقصر، حتى إذا نور زهره بدت الأشجار وكأنها محملة بالثلج الأبيض. ومن ذلك أيضا، أنها رأت نساءا يمشين في الطين، في يوم ممطر، وهن يتغنين فرحات، فاشتهت المشي في الطين، فأمر المعتمد أن يصنع لها طين من الطيب، فسحقت أخلاط منه وذرت بها ساحة القصر، ثم صب ماء الورد على أخلاط المسك وعجنت بالأيدي حتى عاد كالطين، فخاضته مع جواريها.
الغريب في كل الحكاية أنه حدث أن غاضبها المعتمد ذات مرة، فأقسمت أنها لم تر خيرا منه قط !
راعي الجمال
إن مايمكن أن يجلب العذر للمعتمد بن عباد في سياق الحديث عن علاقته بيوسف بن تاشفين، الذي “كان صوّاماً قواماً زاهداً مُتقشِّفاً لم يكن يأكل سوى خبز الشعير، ولحم الإبل، وشرابه لبن النوق”، هو ربما مستوى الهيام الذي ظل يكنه لزوجته الشاعرة. وهو هيام يمكن أن يفقد العقل ويضيع الإمارة، وكل الأندلس، ويطوح بصاحبه إلى أغمات سجينا.
المعتمد العاشق حتى الضياع، هو نفسه الذي تذكر عنه كتب التاريخ مواقف جميلة تنم عن صفاء طوية ونخوة كامنة.
تقول كتب التاريخ :
” ولما خوفه بعض حاشيته من ابن تاشفين، وقالوا : الملك عقيم، والسيفان لا يجتمعان في غمد واحد. أجابهم : ” تالله إنني لأوثر أنْ أرعى الجمال لسلطان مراكش، على أنْ أغدو تابعاً لملك النصارى، وأنْ أؤدي له الجزية. إن رعي الجمال خير من رعْي الخنازير” “.
باب من خشب
راعي الجمال وسلطان مراكش وأمير المسلمين : يوسف بن تاشفين. هذا الفارس الملثم، الذي يلقبه المراكشيون ب “مول لبلاد”، يبدو أن “هاذ لبلاد” تناسته مع توالي الأيام وأفواج السياح.
تقول كتب التاريخ وكتابات المهتمين والباحثين إن مراكش كانت في أرض صحراوية منخفضة، فحفر لها يوسف بن تاشفين الآبار، وجلب إليها المياه.
واليوم؟
باب من خشب، وكتابة تعلو الباب بخط عادي تعرف بالضريح : “ضريح يوسف بن تاشفين”.
كتابة بخط عادي، كأنما كتبت على عجل، فيما أداة الكتابة صباغة عادية ذات لون أبيض.
الغريب أن العبارة مكتوبة باللغتين العربية والفرنسية. لمن؟
لا ينتبه إليها مكتوبة بالعربية، فكيف ينتبه إليها مكتوبة بالفرنسية ؟
ضريح متواضع “لا يليق بمكانة مول لبلاد”.
يوسف بن تاشفين “لم يُوفَّ حقَّه”.
“إنه منسي”.
هذا مايمكن أن يتفق معك بخصوصه التاجر وسائق الطاكسي والشاب والشيخ والمثقف. أما السواح فيكتفون بالسؤال عن ساحة جامع الفنا أو فندق المامونية أو التحديق في المنتظرين الحافلة التي تقلهم إلى محل سكناهم، حيث الأولاد والزوجة وأخبار الدم والكرة.
إلى كل هذا، التاجر يتعب نفسه في تعلم اللغة التي توصله إلى جيب السائح. سائق الطاكسي يلهث وراء العداد. الشاب تائه مابين ترديد أغاني الشاب بلال والجري وراء نصرانيات جامع الفنا وجليز. الشيخ يكتفي بانتظار آذان صلاة العصر. المثقف يقرأ في ماوراء عناوين الصحف. السائح يبحث عن شرقه وشمسه تحت سماء مراكش، دون عناء البحث بين صفرة أوراق كتب التاريخ.
وحدها كتب التاريخ تبقى على خطى الرجال.
ساعة مارسيليا
زيارة الضريح أمر من مشاهدته من البعيد. عندها يمكن أن تحس ب “الحكرة” التي يحسها الفارس المرابطي وهو في نومته الأبدية. كما يمكن أن ينتابك شعور بالندم على الزيارة، التي جعلت منك شاهدا على بؤس التاريخ.
عند الزيارة، قد تصاب بالذهول، قبل أن تتطلع إليك القيمة على الضريح كاشفة بآلية وعفوية اكتسبتهما مع مرور الوقت وتواصل السؤال والجواب عن حال الضريح ومصير الوالدة التي أفنت أكثر من ثلاثين عاما من عمرها في خدمة “مول لبلاد”، فانتهت إلى المرض.
الساعة، التي لازالت تحتفظ بماركتها (ساعة مرسيليا) في سوريالية مريرة، مركونة إلى الجانب من دون عقارب.
الضريح بدون ماء ولاكهرباء.
(ألم تذكر كتب التاريخ وكتابات المهتمين والباحثين، قبل قليل، أن مراكش كانت في أرض صحراوية منخفضة، فحفر لها يوسف الآبار، وجلب إليها المياه ؟؟)
شاهدة القبر تتحدث عن مثوى بطل الزلاقة وفخر المرابطين.
الثوب الأسود الذي يغطي قبر القائد المرابطى صار أصفر اللون.
إيه …
“كيف يذبل ماتسمى بأسمائنا الأولى
وارتوى بما حسبناه لا يعرف الذبول”؟، الجدارية – محمود درويش.
تمتد مراكش في الزمان والمكان، فيما الفارس المرابطي متروك هناك في مقابل محطة للبنزين وموقف للسيارات، وجنب نقطة لوقوف حافلات تنقل ركابها نحو أحياء المدينة المترامية الأطراف. مدينة كان الراقد بالضريح واضع أساسها. أما الأندلس، التي قصدها مؤسس مراكش ذات دعوة “طوائفية” من إماراتها المتنافرة، فتحولت إلى إلخيدو حارقة تأكل المهاجر الباحث عن عيش كريم في نقطة أبعد من طنجة.
فيديو : فيلم عن يوسف ابن تاشفين مؤسس مدينة مراكش
فيديو اخر
فيديو للدكتور طارق السويدان
كانت دولة المغرب-*المغرب موريطانيا الجزائر تونس ليبيا*دولة واحدة عاصمتها مراكش وكان الخليفة المراكشى خليفة علي كل الشمال الافريقى والاندلس
الصورة لضريح يوسف ابن تاشفين
عبدالكبير الميناوي 29 ديسمبر 2005
أو حين تتخلى الساعة عن عقاربها
ماء الورد وأشجار اللوز
على الجانب القريب من ساحة جامع الفنا يرقد “سيدي مول لبلاد” : يوسف بن تاشفين.
يرتبط الحديث عن يوسف بن تاشفين بمراكش ودولة المرابطين، كما يرتبط بما أحاط بالعبور المتكرر إلى الأندلس، وما خلده التاريخ من حكاية المعتمد بن عباد، الذي لايذكر إلا وتذكر اعتماد الرميكية – زوجته الشهيرة.
اعتماد، التي عاشت تحتل مكانة بارزة في حياة المعتمد، حيث كانت لسمو مكانتها وتمكن نفوذها يطلق عليها اسم السيدة الكبرى.
كانت اعتماد – والعهدة على كتب التاريخ وكتابات المهتمين والباحثين- تغالي في دلالها على المعتمد، ومن ذلك، أنها طلبت منه أن يريها الثلج، فزرع لها أشجار اللوز على الجبل المقابل للقصر، حتى إذا نور زهره بدت الأشجار وكأنها محملة بالثلج الأبيض. ومن ذلك أيضا، أنها رأت نساءا يمشين في الطين، في يوم ممطر، وهن يتغنين فرحات، فاشتهت المشي في الطين، فأمر المعتمد أن يصنع لها طين من الطيب، فسحقت أخلاط منه وذرت بها ساحة القصر، ثم صب ماء الورد على أخلاط المسك وعجنت بالأيدي حتى عاد كالطين، فخاضته مع جواريها.
الغريب في كل الحكاية أنه حدث أن غاضبها المعتمد ذات مرة، فأقسمت أنها لم تر خيرا منه قط !
راعي الجمال
إن مايمكن أن يجلب العذر للمعتمد بن عباد في سياق الحديث عن علاقته بيوسف بن تاشفين، الذي “كان صوّاماً قواماً زاهداً مُتقشِّفاً لم يكن يأكل سوى خبز الشعير، ولحم الإبل، وشرابه لبن النوق”، هو ربما مستوى الهيام الذي ظل يكنه لزوجته الشاعرة. وهو هيام يمكن أن يفقد العقل ويضيع الإمارة، وكل الأندلس، ويطوح بصاحبه إلى أغمات سجينا.
المعتمد العاشق حتى الضياع، هو نفسه الذي تذكر عنه كتب التاريخ مواقف جميلة تنم عن صفاء طوية ونخوة كامنة.
تقول كتب التاريخ :
” ولما خوفه بعض حاشيته من ابن تاشفين، وقالوا : الملك عقيم، والسيفان لا يجتمعان في غمد واحد. أجابهم : ” تالله إنني لأوثر أنْ أرعى الجمال لسلطان مراكش، على أنْ أغدو تابعاً لملك النصارى، وأنْ أؤدي له الجزية. إن رعي الجمال خير من رعْي الخنازير” “.
باب من خشب
راعي الجمال وسلطان مراكش وأمير المسلمين : يوسف بن تاشفين. هذا الفارس الملثم، الذي يلقبه المراكشيون ب “مول لبلاد”، يبدو أن “هاذ لبلاد” تناسته مع توالي الأيام وأفواج السياح.
تقول كتب التاريخ وكتابات المهتمين والباحثين إن مراكش كانت في أرض صحراوية منخفضة، فحفر لها يوسف بن تاشفين الآبار، وجلب إليها المياه.
واليوم؟
باب من خشب، وكتابة تعلو الباب بخط عادي تعرف بالضريح : “ضريح يوسف بن تاشفين”.
كتابة بخط عادي، كأنما كتبت على عجل، فيما أداة الكتابة صباغة عادية ذات لون أبيض.
الغريب أن العبارة مكتوبة باللغتين العربية والفرنسية. لمن؟
لا ينتبه إليها مكتوبة بالعربية، فكيف ينتبه إليها مكتوبة بالفرنسية ؟
ضريح متواضع “لا يليق بمكانة مول لبلاد”.
يوسف بن تاشفين “لم يُوفَّ حقَّه”.
“إنه منسي”.
هذا مايمكن أن يتفق معك بخصوصه التاجر وسائق الطاكسي والشاب والشيخ والمثقف. أما السواح فيكتفون بالسؤال عن ساحة جامع الفنا أو فندق المامونية أو التحديق في المنتظرين الحافلة التي تقلهم إلى محل سكناهم، حيث الأولاد والزوجة وأخبار الدم والكرة.
إلى كل هذا، التاجر يتعب نفسه في تعلم اللغة التي توصله إلى جيب السائح. سائق الطاكسي يلهث وراء العداد. الشاب تائه مابين ترديد أغاني الشاب بلال والجري وراء نصرانيات جامع الفنا وجليز. الشيخ يكتفي بانتظار آذان صلاة العصر. المثقف يقرأ في ماوراء عناوين الصحف. السائح يبحث عن شرقه وشمسه تحت سماء مراكش، دون عناء البحث بين صفرة أوراق كتب التاريخ.
وحدها كتب التاريخ تبقى على خطى الرجال.
ساعة مارسيليا
زيارة الضريح أمر من مشاهدته من البعيد. عندها يمكن أن تحس ب “الحكرة” التي يحسها الفارس المرابطي وهو في نومته الأبدية. كما يمكن أن ينتابك شعور بالندم على الزيارة، التي جعلت منك شاهدا على بؤس التاريخ.
عند الزيارة، قد تصاب بالذهول، قبل أن تتطلع إليك القيمة على الضريح كاشفة بآلية وعفوية اكتسبتهما مع مرور الوقت وتواصل السؤال والجواب عن حال الضريح ومصير الوالدة التي أفنت أكثر من ثلاثين عاما من عمرها في خدمة “مول لبلاد”، فانتهت إلى المرض.
الساعة، التي لازالت تحتفظ بماركتها (ساعة مرسيليا) في سوريالية مريرة، مركونة إلى الجانب من دون عقارب.
الضريح بدون ماء ولاكهرباء.
(ألم تذكر كتب التاريخ وكتابات المهتمين والباحثين، قبل قليل، أن مراكش كانت في أرض صحراوية منخفضة، فحفر لها يوسف الآبار، وجلب إليها المياه ؟؟)
شاهدة القبر تتحدث عن مثوى بطل الزلاقة وفخر المرابطين.
الثوب الأسود الذي يغطي قبر القائد المرابطى صار أصفر اللون.
إيه …
“كيف يذبل ماتسمى بأسمائنا الأولى
وارتوى بما حسبناه لا يعرف الذبول”؟، الجدارية – محمود درويش.
تمتد مراكش في الزمان والمكان، فيما الفارس المرابطي متروك هناك في مقابل محطة للبنزين وموقف للسيارات، وجنب نقطة لوقوف حافلات تنقل ركابها نحو أحياء المدينة المترامية الأطراف. مدينة كان الراقد بالضريح واضع أساسها. أما الأندلس، التي قصدها مؤسس مراكش ذات دعوة “طوائفية” من إماراتها المتنافرة، فتحولت إلى إلخيدو حارقة تأكل المهاجر الباحث عن عيش كريم في نقطة أبعد من طنجة.
فيديو : فيلم عن يوسف ابن تاشفين مؤسس مدينة مراكش
فيديو اخر
فيديو للدكتور طارق السويدان
كانت دولة المغرب-*المغرب موريطانيا الجزائر تونس ليبيا*دولة واحدة عاصمتها مراكش وكان الخليفة المراكشى خليفة علي كل الشمال الافريقى والاندلس
الصورة لضريح يوسف ابن تاشفين